المغرب زمن السلطان المولى الحسن
موضوع ندوة علمية بجامعة الحسن الأول بسطات
متابعة : الباحث محسن المحمدي
بحضور عدد من المؤرخين والأكاديمين والباحثين في تاريخ المغرب، نظمت كلية اللغات والفنون والعلوم الإنسانية، جامعة الحسن الأول بسطات، بشراكة وتنسيق مع مختبر السرديات بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بنمسيك الدار البيضاء، ندوة وطنية في موضوع: المغرب زمن المولى الحسن (1873-1894)، في إطار الاحتفالات بذكرى تأسيس جامعة الحسن الأول بسطات، وذلك يوم الخميس17 نونبر 2022 ، الساعة التاسعة صباحا بمركز الاستقبال والندوات لجامعة الحسن الأول.
نسق أشغال الجلسة الافتتاحية ذ/ إبراهيم أزوغ (جامعة الحسن الأول)، مرحبا في بدايتها بالحضور من المؤرخين والأكاديمين والطلبة الباحثين والمهتمين بتاريخ المغرب، معبرا عن سعادته بإدارة الجلسة الافتتاحية لهذا اللقاء العلمي الوازن، مبرزا سياق انعقاد الندوة، وما تكتسيه مرحلة الحسن الأول من أهمية في تاريخ المغرب، ولما للبحث في هذه المرحلة التاريخية من أهمية في فهم حاضرنا والعالم المتحول من حولنا، واستشراف مستقبلنا في ظله.
وفي كلمة أكد ذ/ جمال الزاهي (رئيس جامعة الحسن الأول- بالنيابة)، على أن انعقاد هذه الندوة هو احتفال بالدرجة الأولى بالجامعة لما حققته في جميع المجالات من تكوين رصين منذ تأسيسها، وكذلك بمرحلة السلطان المولى الحسن، والوقوف على مرحلة من أهم المراحل في تاريخ المملكة المغربية، والتي تتسم بالترابط والتلاحم بين السلطان ومكونات الشعب المغربي.
وفي كلمته عبّر ذ/ عبد القادر سبيل (عميد كلية اللغات والفنون والعلوم الإنسانية جامعة الحسن الأول، بسطات) عن سعادته بنجاح هذا المحفل العلمي بما جمعه من قامات علمية وازنة معتبرا هذه الأيام أياما مجيدة في ذاكرتنا وتاريخنا وأيام انبعاث ونهضة. مجددا الترحاب بالمؤرخين والأساتذة والباحثين والطلبة، وشُكره لهم على قبول الدعوة للمشاركة أو للحضور في هذا اللقاء، كما أجزل شكره لكل من ساهم في نجاح هذه الندوة من شركاء وأساتذة أعضاء اللجنة العلمية، وإداريين ولجن المتابعة والتواصل والتنسيق، متمنيا لجلسات الندوة التوفيق والنجاح، وأن ترى أعمالها العلمية النور قريبا في كتاب جماعي.
وقدم كلمة ذ/ عبد القادر كنكاي (عميد كلية الآداب والعلوم الإنسانية بنمسيك الدارلاالبيضاء) بالنيابة ذ/ إبراهيم فدادي، الذي أعرب بدوره سعادته بالحضوره في هذه الندوة العلمية، وعن دور مختبر السرديات والخطابات الثقافية بكلية الآداب بنمسيك في عقد شراكات علمية داخل الجامعة وخارجها، ودور أنشطته التي تعكس انفتاح الكلية على محيطها الوطني (المحلي والجهوي) والعربي والاهتمام بالبحث العلمي والثقافة باعتباره سبيلا إلى تحقيق التنمية.
المحاضرة العلمية الافتتاحية لندوة المغرب “زمن المولى الحسن” ألقتها دة/ بهيجة سيمو (مديرة مديرية الواثائق الملكية)، ونسق أشغالها ذ/ محمد معروف الدفالي (جامعة الحسن الثاني)، مشيدا في بداية كلمته بهذه المبادرة العلمية، التي ستكون فاتحة لندوات أخرى في المستقبل، تهمُّ تاريخ المغرب وسلاطينه الذين كافحوا ضد المستعمر، ومن أجل تحديث المجتمع المغربي، وقدم ذ/ الدفالي تعريفا موجزا بالمحاضرة وبانشغالاتها العلمية والفكرية، وإنتاجاتها العلمية الغزيرة في مجال التاريخ عموما وفي تاريخ المغرب على وجه التحديد، مشيرا إلى المناصب والمهام التي تقلدها، مجموع الأوسمة التي نالتها تشريفا واستحقاقا بمجهوداتها العلمية.
في بداية محاضرتها المعنونة بـــ “البيعة ميثاق مستمر بين الملك والشعب” عبّرت دة/ بهيجة سيمو عن عظيم الامتنان لتشريفها بمحاضرة الافتتاح لأعمال هذا اللقاء العلمي، لما يكتسي من أهمية في تاريخ المغرب، وركزت في محاضرتها القيّمة على تحديد مفهوم البيعة وإبراز امتداداتها الحضارية واستمراريتها التاريخية، من خلال تأكيد خصوصية الحكم في المغرب القائم على البيعة باعتبارها الركن الأساسي للدولة المغربية، باختزانها للضوابط الشرعية والقانونية، وباعتبارها أسمى وثيقة دستورية تجمع الحاكم بالمحكومين، وتنظم العلاقة بينهم في إطار تعاقدي متبادل، يضمن استمرارية وديمومة الدولة المغربية وفق ثوابتها الشرعية، ويحفظ للشعب المغربي كرامته ووحدته وسيادته على أراضيه بقيادة سلاطين وملوك الدولة العلوية الشريفة.
وأكد ذ/ صالح شكاك الذي نسق أشغال الجلسة العلمية الأولى أن المشاركين في الندوة هم أهم أعلام المدرسة التاريخية المغربية، ومن رعيلها الأول والمؤسس، وأبرز المتخصصين في الحقبة التاريخية موضع الندوة، مؤكدا على أهميتها وسياقها.
استُهلت الجلسة بورقة بحثية للأستاذ علال لخديمي موسومة بـ” تماسك المجتمع في عهد مولاي الحسن الأول: محاولة في التنمية المعاقة”، مشيرا إلى ظروف تولي المولى الحسن الحكم في تلك الفترة وإلى أزمة شاملة ترجع إلى مجموعة من العوامل في مقدمتها التدخل الأجنبي في الشؤون الداخلية، وكذا العوامل الداخلية المزرية، الأمر الذي تطلب من السلطان وضع خريطة طريق من أجل مواجهة الخارج والقيام بمجموعة من الإصلاحات في مختلف المجالات، قصدت إلى استثباب الأمن والسلم الاجتماعي، وتأمين الداخل من الخارج، ونهج سياسة بيت المال، وتسخير آليات التحرك والاستنفار الدائم للمجتمع بغية مواجهة المستعمر، وتحقيق تماسك مجتمعي متين ومحاربة كل عوامل الفتنة.
الورقة الثانية للأستاذ مصطفى الشابي (رئيس الجمعية المغربية للتأليف والترجمة والنشر- الرباط) وضع لها عنوان “نظرات في عهد السلطان المولى الحسن بن محمد بن عبد الرحمان 1873-1894″وقد قسّم ورقته إلى محورين أساسين، المحور الأول عنونه ب “الرجل تكوينه وإعداده للمسؤولية العظمى”، والمحور الثاني وسمه بـ “السطان مولاي الحسن واسترجاع المغرب لعافيته” مدعما مداخلته بقولة لابن زيدان تفيد نشأة وتربية المولى الحسن في كنف جده، وما ورثه منه من نجابة ونباهة وفلاح، الأمر الذي بوأه مكانة مرموقة ضمن السلاطين العلوين وحماية البلاد أمام زحف الإمبريالية الأروبية.
وأبرز الأستاذ نعمة الله ماء العنين (جامعة ابن زهر) في ورقته علاقة السلطان المولى الحسن بالقبائل الصحراوية، مشيرا إلى مساهمة السلطان المولى الحسن في الإزدهار الثقافي والاجتماعي والعلمي والديني والإداري في الصحراء، سواء من خلال مراسلاته المتنوعة مع مختلف أعيانها وكبارها رجالاتها، أو من خلال الظهائر الرسمية التي عين فيها عددا من الخلفاء والنواب والمناديب والقضاة ومستشاري الأوقاف والأحباس، أو من خلال الرحلات التي يقوم بها أعيان الصحراء إلى عاصمة مُلكه، الأمر الذي يبين حرص السلطان على المكانة الكبيرة التي كانت تحظى بها الصحراء عامة والقبائل خاصة.
اختتمت الجلسة العلمية الأولى بورقة للأستاذ محمد نجيدي (جامعة الحسن الثاني) عنونها بـ ” محاولة للتأريخ لعلاقة قائد قبيلة المزامزة مع المخزن المركزي في عهد المولى الحسن” مركزا على أهمية المراسلات المخزنية في تلك الفترة بقبيلة مزامزة المتواجدة آنذاك بالشاوية، وإبراز علاقة السلطان مع موظفيه وخدامه، خصوصا فيما يتعلق بكيفية الحصول على الجبايات والضرائب، ومسألة حماية البلاد التي لها علاقة بالتوازنات الاجتماعية، وحفظ الأمن من خلال تنظيم الجيش.
وقد اختتمت أشغال الجلسة العلمية الأولى بتفاعل واسع ونقاش مستفيض من خلال تقديم إضافات نوعية أثرت موضوع الندوة.
بعد الجلسة العلمية الأولى مباشرة ترأس أشغال الجلسة الثانية الأستاذ محمد الفران (مدير المكتبة الوطنية) مشيرا في بدايتها إلى أهمية مداخلات الجلسة الأولى وأهمية ما أثارته من نقاش علمي عميق لا بد أن يستمر في أبحاث ولقاءات علمية لاحقة. لينتقل بعد ذلك للمداخلة الأولى ذ/ عبد المجيد القدوري (جامعة محمد الخامس). الذي انطلق في ورقته من إشكالية صاغها في مجموعة الأسئلة؛ كيف تناولت الكتابات الأجنبية السلطان المولى الحسن؟ وما مدى مساهمات الكتابات المغربية في التوثيق للمرحلة؟ وكيف حافظ المولى الحسن عن استقلاله ووحدته الترابية؟ كل هذه الأسئلة كانت منطلق ورقة ذ/ القدوري الذي أبرز التحديات التي واجهها الحسن الأول، والقرارات التي اتخذها، وحذره الشديد واستباقه الحلول للمشاكل، والقيام بمجموعة من الرحلات التي كان لها دور وحدوي، وشكلت صيغة لتوحيد ورسّ صفوف القبائل وتحقيق إصلاحات وتوازنات اجتماعية في الدولة.
واعتبر ذ/ محمد أوجامع (جامعة القاضي عياض) في المداخلة الثانية والتي عنوانها بـ” زمن الحسن الأول: المحلة الأخيرة”، القرن التاسع عشر أكثر المراحل التاريخية المدروسة من طرف الأجانب والمغاربة، معتبرا بذلك التاريخ شأنا بشريا إنسانيا.. مستشهدا بقول ابن زيدان بقوله: التاريخ خبر السلف لدى الخلف” مركزا في ورقته على مجموعة من المستويات التي من شأنها ابراز تحديث النظام السلطاني في عهد السلطان الحسن الأول، والمواجهة للأطماع الأجنبية، وجعل الزوايا سفارات وقنصليات مخزنية، وسط القبائل وداخل المدن، ووضع هيكلة تمثلت في جمع الضرائب والجبايات قصد تحقيق توازنات داخلية واستقرار في فترته.
وتناول ذ/ شفيق أرفاك (جامعة ابن زهر) في ورقته موضوع الندوة من خلال مظاهر إشعاع السلطة المخزنية بسوس في عهد السلطان المولى الحسن الأول، لما بصمه في الذاكرة التاريخية المحلية لأهل سوس، ومساهمة هذا الأخير في قيادة التطور والإشعاع، وبناء تحول فعلي على مستوى السلطة، مبزرا في جانب آخر القاسم المشترك بين أسلافه في تدبير المرحلة والجهة، إضافة إلى حسن التكوين الفقهي والشرعي، والتكوين السياسي المنبعث من تعامله مع الأطماع الاسبانية بالخصوص، في توقيع هدنة في حرب تطوان، والحصول على بعض المكاسب رغم ضعف الإمكانات في تلك الفترة.
وفي بورقته المعنونة بــــ”الحسن الأول من خلال الأسطوغرافيا الأجنبية” أشار ذ/ابراهيم ايت ازي (جامعة الحسن الأول) في مقدمتها إلى الدور الكبير للسلطان المولى الحسن الأول وسعيه إلى حماية المغرب، مركزا على إبراز ما تطرقت له الاسطوغرافيا الأجنبية عن شخص السلطان وخاصة في تركيزها على ما ديني الذي شكل أساس السلطة ومصدرها، سواء في بعدها السياسي أو الرمزي، مستشهدا بقول القائل: “إن عرشه (الحسن الأول) كان فوق صهوة جواده”، كما وقف ايت ازي على دور وأهمية الخدمات الطبية الأجنبية في بعدها الإستخبارتي في معرفة السلطان والتعريف به، من خلال مذكرات بعض الأطباء العسكريين، مؤكدا في نهاية ورقته على دور ” الْحَرْكَاتْ” في صون سيادة الوحدة الوطنية المغربية في فترته.
واختتمت أشغال الندوة العلمية بتوصيات نشر أعمالها في كتاب جماعي.